زمن العجائب ... بقلم : عصام داري

بشرى سارة إلى من يهمه الأمر: فوزيرة الخارجية الأميركية الآنسة كوندوليزا رايس آتية من جديد إلى المنطقة، وهذه المرة على وقع هدير البوارج والمدمرات والأساطيل، ووسط بحيرات الدم ورائحة الموت.

رايس قادمة لتذكرنا بأنها لا تزال موجودة وأن حمى الانتخابات في الولايات المتحدة لا تمنعها من القدوم إلينا للإشراف المباشر على الطبخة الأميركية وتقديم فروض الطاعة للصهيونية العالمية، وشد أزر «أصدقاء» الولايات المتحدة في المنطقة، والتلويح بالعصا الغليظة في وجه الأعداء!. ‏

لا يظن أحد أن رايس قد تلتفت إلى الكارثة التي تحل بالشعب الفلسطيني، لأن هذه الكارثة صنعت في البيت الأبيض، وبإشراف أمهر خبراء أساطير بني صهيون، وأبرع القتلة المحترفين، وصناع الإرهاب وحماته ودعاته. ‏

رايس هذه ستستمع إلى تقارير مفصلة عن «المحرقة» التي وعدت إسرائيل الفلسطينيين بها، وعن الأوضاع المتأزمة في لبنان ومدى نجاح فريق العمل الأميركي المكلف تعطيل الحلول وتصعيد حدة التوتر، ونشر الفوضى. ‏

الإعلان عن تحركات للأساطيل الأميركية قبالة السواحل اللبنانية جاء عشية زيارة الآنسة السمراء، والتبرير: الحفاظ على الاستقرار!. ‏

غريب هذا التبرير، فمبتكرو نظرية الفوضى الخلاقة يتحدثون عن الاستقرار، وأصحاب مشاريع الحروب، يتحدثون عن السلام، ودعاة القتل والتنكيل وانتهاكات حقوق الإنسان، يتبجحون بالحديث عن حقوق الإنسان والحريات. ‏

و.. عجيب أمر إدارة الرئيس بوش التي تتهم الآخرين بالتدخل في شؤون الدول، ولا تعتبر استعمارها للعراق، وتعطيلها للحلول في لبنان وتدخلها السافر في شؤونه بدءاً من بوش شخصياً وصولاً إلى أصغر جاسوس أميركي يعمل في عوكر، لا تعتبر كل ذلك تدخلاً في شؤون العراق ولبنان والمنطقة. ‏

تحريك الأساطيل الأميركية في شرق المتوسط ليس جديداً، والوجود البحري الأميركي في شرق المتوسط قديم قدم العقلية التسلطية الإرهابية لمعظم الإدارات الأميركية، فلماذا هذا التلويح بعصا الأساطيل والبوارج والمدعوم بتحرك سياسي أميركي يسبق زيارة بوش الوداعية للمنطقة في أيار القادم؟! ‏

هل يندرج هذا التحرك العسكري ـ السياسي الأميركي في إطار حرص إدارة بوش على أمن واستقرار المنطقة، وتمهيد الطريق أمام سلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية يبنى على جماجم وأجساد الفلسطينيين ودمائهم وحقوقهم؟ ‏

وهل يندرج هذا التحرك الأميركي العدواني في إطار الحرص الأميركي على حلّ الأزمة اللبنانية المحكومة اليوم بتدخل أميركي سافر يعمل على أخذ لبنان إلى موقع يتناقض ويتعارض مع الموقع الطبيعي الذي يجب أن يحافظ عليه؟ ‏

لا تخفي الإدارة الأميركية الحالية ـ كما لم تخف أي إدارة سابقة ـ أطماعها في المنطقة، وإن تحدثت عن مصالح وليس عن أطماع استعمارية ومشاريع استيطانية مبنية على الأساطير المؤسسة لإسرائيل، والمستمدة من التوراة والتلمود وبروتوكولات حكماء صهيون. ‏

لذا، فإن افتراض حسن النيات بالتحركات الأميركية غير منطقي ولا عقلاني وليس مقبولاً إلاّ من قبل من رهن نفسه وقراره وسياسته للسيد الأميركي، وارتضى بأن يكون بيدقاً على رقعة شطرنج رسمتها المشاريع الصهيونية والأميركية، مع كل ما يعنيه ذلك من تصادم مع تطلعات وطموحات وإرادة الشعب العربي، ومع التاريخ والمنطق. ‏

رايس قادمة لإعطاء التعليمات، لمن اعتاد على تلقي التعليمات، بهدف المضي قدماً في المشروع الأميركي الهوية، الصهيوني الهوى والانتماء، إنها تحمل بيان عمليات على «الأصدقاء» تنفيذه بلا تردد ولا تذمر، ومتى كان هذا الفريق يتردد أو يتذمر أو يرفع رأسه أمام السيد الأميركي المبجّل؟! ‏

لكن إدارة بوش، والمحافظين الجدد، لم يتعلموا بعد من الدروس المستفادة، بدءاً من العراق مروراً بمعجزة نصر تموز 2006، ولا تزال هذه الحفنة التي تعمل ضد مصلحة الشعب الأميركي، تراهن على قوتها وبعض مريديها في المنطقة على أمل تسجيل انتصار ما، مهما كان حجمه ووزنه، لتقديمه لجون ماكين، المرشح الجمهوري للرئاسة، كي يخوض فيه الانتخابات، ويصل إلى البيت الأبيض، ليتابع مسلسل الجرائم التي بدأها بوش. ‏

لم يتعلم المحافظون بعد، أنهم غير قادرين على تطويع إرادة الشعوب، حتى لو امتلكوا كل أساطيل الدنيا، ومهما تفننوا في القتل والإجرام والإرهاب. ‏

لكن عتبنا ليس على عدونا المقيم في المنطقة، أي إسرائيل، وعدونا البعيد عنا، والذي صار بقوة السلاح «جارنا» أي الولايات المتحدة، عتبنا على أنفسنا لأننا لا نزال محكومين بجدل عقيم حول قضايا ثانوية، ونتجاهل قضايانا المصيرية التي تتهدد وجودنا وهويتنا وتاريخنا، ولا نزال مترددين فيما إذا كنا سندين المجزرة الإسرائيلية أم نعتبرها ـ كما تعتبرها إسرائيل ـ دفاعاً عن النفس وضد الإرهاب!! فعلاً إنه زمن العجائب