برعاية السيد الرئيس بشار الأسد افتتح المهندس محمد ناجي عطري رئيس مجلس الوزراء فعاليات المؤتمر السوري للمصارف والاستثمار الذي تعقده الجمعية البريطانية السورية في فندق الفورسيزنز بدمشق.
وأشار المهندس عطري إلى ما شهدته سورية من إصلاحات اقتصادية وتشريعية ومالية وإدارية بهدف توسيع قاعدة الاقتصاد الوطني وتنويع موارده واستقطاب الاستثمارات الخارجية وتعزيز مساهمة القطاع الخاص إلى جانب القطاع العام في عملية البناء والتنمية وذلك في إطار مبدأ التكامل والتشاركية لافتاً إلى أن الثمرات الإيجابية التي نتجت عن هذه الإصلاحات أدت إلى تطوير بيئة الاستثمار واتساع قاعدة المشاريع الاستثمارية المحلية والخارجية وزيادة عدد المشاريع المشملة بموجب أحكام قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991 والمرسوم رقم 8 لعام 2007 ليصل في عام 2007 إلى 186 مشروعاً بلغت تكاليفها الاستثمارية بحدود 520 مليار ليرة وبلغ إجمالي التكوين الرأسمالي للمشاريع الاستثمارية في القطاعين العام والخاص حوالي 450 مليار ليرة.
وقال المهندس عطري إن نتائج الإصلاحات انعكست من خلال زيادة معدل النمو والناتج المحلي الإجمالي بنسب سنوية متطورة وزيادة متوسط حصة الفرد من هذا الناتج علاوة على توفير فرص العمل وتخفيض معدلات البطالة وأدت إلى تحريك سوق الائتمان والسماح بإحداث شركات تأمين ومصارف خاصة وإحداث سوق للأوراق المالية نأمل أن يتم افتتاحها في السنة القادمة.
واستعرض رئيس مجلس الوزراء مجموعة الخطوات والإجراءات التي تم اتخاذها في المجال المالي والمصرفي حيث تم تخفيف السيطرة على القطع الأجنبي واعتماد سعر صرف متحرك لليرة السورية وإنجاز الكثير من العمليات المصرفية الأساسية مثل فتح الاعتمادات المصرفية وبيع العملة الأجنبية وتنشيط عمليات التمويل والإقراض وتسهيل إجراءاتها الإدارية الأمر الذي عاد بنتائج إيجابية في جذب الاستثمارات الكبيرة في القطاعات الصناعية والسياحية والمالية والمصرفية.
وأكد المهندس عطري أن القطاع المالي والمصرفي في سورية يعد من أكثر القطاعات التي شملتها خطط التطوير والبناء حيث بلغ متوسط معدل النمو السنوي الحقيقي للقطاع المالي 24 بالمئة خلال السنوات الثلاث الماضية كما تطورت نسبة مساهمة القطاع المالي في الدخل القومي من 6ر3 بالمئة عام 2003 لتصل إلى 3ر6 بالمئة عام 2007 والقطاع المالي السوري اليوم يشمل ستة مصارف حكومية و 13 مصرفاً خاصاً منها 3 مصارف إسلامية وقد أحدثت هذه المصارف فروعاً لها في المحافظات بلغ عددها 92 فرعاً تمارس نشاطاتها المالية في القطاعات الاقتصادية والخدمية إضافة إلى 11 شركة تأمين و10 شركات صيرفة و8 مكاتب صيرفة فضلاً عن عدد كبير من طلبات الترخيص لمصارف وشركات تأمين وصيرفة هي قيد الدراسة لاستكمال إجراءات ومستلزمات ترخيصها.
وأشار رئيس مجلس الوزراء إلى العبء الكبير الملقى على عاتق المصارف بشكل عام والمصارف المركزية بشكل خاص انطلاقاً من الدور الموكل إليها في دعم السياسات الحكومية لتنفيذ أهدافها الاقتصادية والسيطرة على حركة الاقتصاد والمحافظة على مستويات الأسعار إضافة إلى تأمين البنية التحتية الضرورية لعمل القطاع المالي الذي يعد أساس تحقيق النمو الاقتصادي مؤكداً ضرورة إيلاء الاهتمام بعمل المصارف وأدائها نظراً للدور الفعال الموكل إليها في دعم وتطوير الحياة الاقتصادية.
ولفت المهندس عطري إلى موافقة الحكومة على الخطة الإستراتيجية لمصرف سورية المركزي بما يتيح له درجة عالية من الاستقلالية في عملياته وتحديد الأهداف متوسطة المدى للسياسة النقدية موضحاً أن هذه الاستقلالية ستزيد من مسؤولية المصرف المركزي عن نتائج عملياته تجاه السلطات السياسية والرأي العام الأمر الذي يفرض على المصرف المركزي إظهار قدر أعلى من الشفافية في ممارسته للسياسة النقدية.
وأكد رئيس مجلس الوزراء أن مصرف سورية المركزي قطع شوطاً كبيراً ومهماً على مستوى تطوير عملياته ورسم سياسته النقدية وصولاً إلى إعلان هدف نهائي واضح على المدى المتوسط والبعيد يتجسد في تأمين استقرار الأسعار وضبط معدلات التضخم ضمن حدود معينة تتناسب ومستوى النشاط الاقتصادي والتشغيل، موضحاً أن ثمار جهود المصرف المركزي بدأت بالظهور لجهة زيادة مصداقية السياسة النقدية وقدرتها على ضبط معدلات التضخم الجامح واستقرار سعر الصرف رغم كل التقلبات التي تعرضت لها سورية في الفترات السابقة.
وبين المهندس عطري أن الحكومة ما تزال تعمل على استكمال إجراءاتها الكفيلة بسلامة بيئة النظام المصرفي في سورية وما تتطلبه تلك السلامة من ضوابط واحترازات وقائية وتعديل وتصويب للجوانب التي يتبين عدم مواكبتها مستجدات الوضع الاقتصادي في القوانين النافذة مشيراً إلى وجود عدد من المهام الواجب اتخاذها من قبل المصارف لتمتلك القدرة الكاملة على تنفيذ سياسة نقدية فعالة تؤدي إلى توفير المقومات والأدوات الضرورية للقيام بذلك.
وأشار المهندس عطري إلى ضرورة توظيف الخبرات المحلية والاستفادة من الخبرات والتجارب العربية والدولية والتكامل في الأدوار لتطوير قطاع المصارف لافتاً إلى أهمية محاور وجلسات الحوار في المؤتمر في تسليط الأضواء على طبيعة الأزمة المالية العالمية إضافة إلى التركيز على الكيفية التي تمكن المصارف من أداء دورها في عملية الاستثمار والتنمية وسبل وآليات تعميق هذا عبر حوار تفاعلي طرفاه المشاركون في هذا المؤتمر والجهات الحكومية المعنية بما يفضي إلى بلورة مجموعة من الأفكار والتوجهات التي من شأنها تحديد المشكلات والصعوبات المالية والمصرفية وتشخيص مكامن الضعف أو القصور في الإجراءات الإدارية أو التشريعات القانونية واقتراح السياسات والمعالجات اللازمة لتجاوزها على مختلف المستويات.
من جانبه قال الدكتور فواز الأخرس الرئيس المشارك للجمعية البريطانية السورية إن عدم الوثوقية الموجودة اليوم في قطاع المال أمر غير مسبوق حيث برزت في الآونة الأخيرة أهمية العلاقة بين الحكومة والقطاع المصرفي بهدف خلق سوق تنافسية مؤكداً أن هذه الظاهرة عالمية ويمكن الاستفادة منها في تطبيق الكثير من الدروس لتطوير القطاع المصرفي في سورية.
وأشار إلى ضرورة دعم عملية تطوير القطاع المصرفي من خلال تكثيف النشاطات والجهود والحوار مع المختصين بهذا المجال والاستفادة من خبراتهم لافتاً إلى وجود الكثير من التحديات والفرص في آن معاً.
واستعرض الدكتور الأخرس نشاطات الجمعية والمؤتمرات التي أقامتها في سورية ولاسيما الموءتمر الأول حول الاقتصاد والصيرفة عام 2004 والمؤتمر الدولي لمهنة القضاء خلال العام الجاري والأسبوع الثقافي السوري الأول في بريطانيا وإقامة ورشات عمل مع مجموعة من المفكرين البريطانيين إضافة إلى ندوات مختلفة كالندوة التي تناولت خطة تطوير مدينة تدمر مؤكداً حرص الجمعية على تمتين علاقات الصداقة والتعاون بين سورية وبريطانيا.
من جانبه قدم الدكتور تشارلز تشادرجي البروفسور في معهد السياسة العالمية بجامعة ميترو بوليتن لندن عرضاً موجزاً للأزمة المالية العالمية وأسبابها وانعكاساتها على اقتصادات دول العالم مؤكداً أن الأزمة الحالية ليست ظاهرة طبيعية بل نشأت بسبب أنشطة أشخاص معينين في الأسواق المالية تتمثل في اتخاذ المخاطر على نحو جشع وغير مسؤول وانعدام المسؤولية الاجتماعية.
وأشار تشادرجي إلى أنه لا توجد أسباب طبيعية للأزمات المالية مؤكداً أن وظائف المصارف المركزية تتمثل بالإشراف المباشر والسيطرة على المؤسسات المالية والمصارف التجارية بما في ذلك البورصات والأشخاص العاملون في القطاع المالي.
ويناقش المؤتمر على مدى يومين التطورات التي طرأت على القطاع المصرفي في سورية خلال مرحلة الإصلاح والتطوير في السنوات الماضية والأزمة المالية العالمية التي تعصف بقطاع المال والأعمال في العالم إضافة إلى فرص الاستثمار الواعدة في سورية وتدريب الكوادر البشرية السورية في هذه المجالات.
ويشارك في المؤتمر خبراء اقتصاد عرب وأجانب من سورية ومصر والكويت والإمارات العربية المتحدة والأردن والمملكة المتحدة وكندا وتركيا وألمانيا.
ويشكل المؤتمر فرصة لأصحاب المشروعات السورية لتبادل الأفكار مع نظرائهم الدوليين وصانعي السياسات والخبراء الاستراتيجيين.
حضر الافتتاح وزراء المالية والتعليم العالي والسياحة والاقتصاد والشؤون الاجتماعية والعمل ورئيس هيئة تخطيط الدولة ومحافظو دمشق وريفها وحلب وحاكم مصرف سورية المركزي ورؤساء اتحاد غرف التجارة والسياحة والصناعة والزراعة وعدد من ممثلي البعثات الدبلوماسية في دمشق.
وفي جلسة تمحورت حول مستقبل عمل المصارف التجارية برئاسة الدكتور فيصل قدسي رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لشركة الثقة للاستثمار المحدودة في المملكة المتحدة.
وأشار الدكتور قدسي في بداية الجلسة إلى أن ما يقرب من 35 توصية تم تنفيذها في النظام المالي السوري من ضمن التوصيات التي أكدت عليها المؤتمرات السابقة موضحا أن العمل المصرفي في سورية ما زال في طور البداية رغم إنشاء عدد كبير من المصارف الخاصة.
وتحدث محمود عبد الخالق النوري رئيس مجلس الإدارة والمدير الإداري للسورية الكويتية القابضة حول أسباب الأزمة المالية العالمية الراهنة ومنعكساتها على الأسواق العالمية والدول النامية والواقع الراهن لهذه الأزمة والرؤية المستقبلية لما ستكون عليه الأسواق بعد ذلك.
وأشار إلى أن أسباب الأزمة تعود إلى منح قروض الرهن العقاري عالية المخاطر ما أدى إلى إفلاس كبار البنوك في أمريكا وغيرها من الدول الأوروبية مؤكدا أن الأزمة تفاقمت رغم كل الأموال التي ضختها البنوك المركزية في الأسواق.
وبين النوري أن أمريكا ستخرج من هذه الأزمة بحالة ضعيفة نتيجة الكساد الكبير في الاقتصاد الذي ستشهده خلال السنوات المقبلة كما أن تداعيات الأزمة ستشمل بلدانا أخرى لا سيما النامية منها مشيرا إلى ضرورة إفساح المجال لدور اكثر فاعلية للدولة في ضبط ومراقبة عمل البنوك والأسواق المالية.
وعن آثار الأزمة على الاقتصاد السوري دعا النوري إلى ضرورة الاهتمام بالقطاع السياحي والعمل اكثر على جذب الاستثمارات للحد من أي انعكسات سلبية قد تؤثر على هذا القطاع إضافة إلى الاهتمام بجودة المنتج السوري ليكون قادرا على المنافسة في الأسواق الإقليمية والعالمية.
بدوره تحدث مروان اسكندر المؤسس والمدير العام لمجموعة إم أي وشركائها عن واقع القطاع المصرفي في سورية مبينا ضرورة رفع قيمة موجودات المصارف الخاصة التي لا تتجاوز 7 مليارات دولار مقابل 38 مليار دولار من حجم الاقتصاد السوري.
وأشار إلى ضرورة ترسيخ عامل الثقة لدى المواطنين من خلال قانون السرية المصرفية وتطوير القانون التجاري لتشجيع وطمأنة المستثمرين وإنشاء مجالس تحكيمية يتمتع المحكمون فيها بالعلوم القانونية وعلوم اللغات والمعايير الأخلاقية إضافة إلى عملية التدريب المستمر على علوم العمل المصرفي والإدارة المالية وزيادة عدد شركات التامين العاملة والفاعلة في السوق المالية.
من جانبه أشار رضوان ترمانيني المستشار الاقتصادي والتجاري إلى الانفتاح المالي في القطاع المصرفي السوري والقوانين والتشريعات المتطورة التي صدرت في هذا المجال بما يحقق التنافسية بين البنوك العامة والخاصة مبينا ضرورة إيجاد إدارة مالية مصرفية متطورة ووضع أسس قانونية وإعادة هيكلة التشريعات لعمل المؤسسات المرتبط عملها بالمؤسسات المصرفية وتوفير الخدمات من خلال إيجاد بيئة تشغيل وتنظيم مناسبة.
وركز على تطوير أداء الشركات العائلية للعب دور محرك للقطاع الخاص مع التأكيد على الإيفاء بكل المتطلبات لدى منح الترخيص لمصارف وشركات جديدة.
وتناولت الجلسة الثانية التي ترأسها كوستي شحلاوي مستشار مجلس الإدارة في بنك سورية والخليج العوامل المؤثرة في القطاع المالي.
وتطرقت الدكتورة فلورانس عيد المدير الإداري للشرق الأوسط وشمال أفريقيا باسبورت كابيتال إلى واقع أسواق المال وتأثير الأزمة المالية على المنطقة والعالم وضرورة تطوير عمل هذه الاسواق لمواجهة التحديات التي ستواجه المنطقة بشكل عام والاقتصاد السوري بشكل خاص في المستقبل.
ولفت فادي عبد الحميد المدير التنفيذي للخدمات المهنية في شركة طلال أبو غزالة إلى دور الحوكمة في القطاع المالي في سورية متوقعا حدوث نمو اكبر في هذا القطاع خلال الفترة المقبلة.
وأكد ضرورة البحث عن وسيلة لحماية هذا القطاع من خلال الحوكمة التي تعد احد العناصر الهامة في عملية ضمان عمل القطاع المالي.
ودعا إلى ضرورة التزام الإدارة بالحوكمة ووضع اطار ودليل لها يصدر عن المصرف المركزي إضافة الى إعطاء الأهمية لتكنولوجيا المعلومات وتقييم المخاطر في القطاع المالي.
وركز بشار جزماتي من مصرف اتش اس بي سي البريطاني على ضرورة توفير بنية تحتية للقطاع المصرفي عن طريق تأسيس شراكة بين القطاعين العام والخاص لمواجهة التحديات التي تواجه القطاع المصرفي والاسواق المالية.
وحدد اشكال التمويل والمخاطر والعوائد المالية وذلك بالاعتماد على التشاركية بين القطاعين العام والخاص.
وأشار إلى ضرورة توفير التشريعات القانونية المرنة لجذب الاستثمارات وإيفاء المستثمرين بالشروط المطلوبة كافة لتجنب عقبات أثناء عملية تنفيذ المشروع أو وضعه في الخدمة على ان يكون كل ذلك مصرح عنه بشفافية في الاوراق المالية.