خطوة جديدة لحماية أرواح السوريين .. أم محاولة لتنظيف جيوبهم ورفد الخزينة؟!"في عام 2007 وحده تسببت الحوادث المرورية في سورية بوفاة 2818 شخصاً وجرح 16145 آخرين،
وتوزعت أسباب الحوادث المرتكبة خلاله إلى 15042 حادثاً ناتجاً عن السرعة الزائدة و3592 لعدم التقيد بإشارات المرور و1580 بسبب سوء حالة الإطارات و1168 لأعطال مفاجئة و1203 نتيجة الدوران غير النظامي و1140 للتجاوز المخالف و1275 تحت تأثير النعاس والكحول على السائقين و1583 للسير باتجاه معاكس و1187 لعدم صلاحية الأنوار والمكابح و829 للتوقف غير النظامي".
من هنا كان من الأهمية القصوى العمل على تطوير قانون السير والمركبات بما يتلاءم مع هذا الواقع الخطير، ومن هنا أصدر رئيس الجمهورية المرسوم التشريعي رقم (11) بتاريخ 30/1/2008 الخاص بتعديل قانون السير مع تعليماته التنفيذية، وذلك بعد أقل من أربع سنوات من إصدار القانون رقم (31) لعام 2004.
لمحة عامة عن القانون الجديد:
تضمن المرسوم رقم (11) لعام 2008 تعديل بعض التعاريف الخاصة بالمركبات والسيارات بأحجامها وأنواعها المختلفة والوزن الفارغ والإجمالي للمركبة بالإضافة لإجازة السوق والشروط الواجب توافرها لمنحها، بالإضافة إلى الطريق والمسالك والمسارب وغيرها..
كما نص القانون على ضرورة أن تخضع المركبات الآلية جميعها لفحص فني دوري يجري لدى مديرية النقل المعنية أو لدى مراكز متخصصة معتمدة من قبل الوزارة، بالإضافة إلى ضرورة إخضاع المتدربين لدى مدارس السياقة الخاصة إلى اختبارات تجريها المراكز التابعة للوزارة.
ونص القانون أيضاً على ضرورة تقديم عقد تأمين للمركبة لدى إحدى شركات التأمين المسجلة في الجمهورية العربية السورية قبل تسجيل أو ترخيص أي مركبة أو تجديد ترخيصها، بالإضافة إلى ضرورة تحديد الوزن الأقصى الذي لا يجوز تجاوزه من قبل المركبات الداخلة إلى البلاد أو العابرة فيها ضماناً لسلامة الطرق.
وتضمن أيضاً تشديد العقوبات لمختلف التجاوزات والمخالفات منعاً لوقوع الحوادث المرورية، وضرورة وضع جهاز لتسجيل السرعة غير خاضع لسيطرة السائق تزود به المركبات من الفئات التي يحددها الوزير بقرار منه، وضرورة وجود حقيبة الإسعاف الأولي في كل سيارة تحدد مواصفاتها من قبل وزارة الصحة.
كما تضمن المرسوم منع تسجيل الدراجة الآلية بثلاث أو أربع عجلات، ويُستثنى من ذلك المركبات المصنعة خصيصاً للمعوقين..
المعنيون بوضع القانون.. ماذا يقولون؟
فور صدور القانون قال وزير الداخلية بسام عبد المجيد إن الغاية الأساسية من تعديل قانون السير والمركبات رقم (31) لعام 2008 هو التخفيف من الحوادث المرورية وحماية المواطن راكباً كان أم راجلاً وليس تحصيل الغرامات، معتبراً أن المتغيرات التي طرأت في زيادة عدد السيارات والسائقين وما نتج عن ذلك من ارتفاع عدد الحوادث الحاصلة والخسائر البشرية والمادية الناجمة عنها دفع الجهات المعنية وخاصة وزارتي الداخلية والنقل إلى إعادة النظر في بعض نصوص قانون السير والمركبات المعمول به حالياً عبر وضع بنود جديدة من شأنها إلزام السائقين بالتقيد بقواعد السير وعدم ارتكابهم للمخالفات، وذلك من خلال التشدد في الغرامات المادية والعقوبات الرادعة بحق المخالفين، ما يسهم في دفعهم لعدم تكرار مخالفاتهم وبالتالي التخفيف من الحوادث التي قد تحدث نتيجة هذه المخالفات.
وأكد عبد المجيد أن الوزارة ستعمل خلال الفترة المقترحة للبدء بتنفيذ القانون المحددة بثلاثة أشهر من تاريخ صدور المرسوم على تدريب كافة كوادر إدارة المرور من ضباط وعناصر لإنفاذ القانون الجديد، مؤكداً أيضاً أن مسألة تطبيقه ومحاسبة بعض ضعاف النفوس الذين قد تسول لهم أنفسهم الاستفادة منه للمنفعة الخاصة ستتابع بدقة بوسائل مختلفة بهدف منع حدوث أي ارتكابات خاطئة يمكن أن تحصل بهذا الخصوص.
وأضاف الوزير أن القانون الجديد لحظ فرض غرامات كبيرة تتراوح بين 200 ليرة سورية و25 ألف ليرة سورية تحدد حسب نوع المخالفة المرتكبة، لافتاً إلى أنه تم تصنيف هذه العقوبات في 9 شرائح لكل منها تصنيف لدرجة المخالفة المتعلقة بها على حدة.
من جهته أكد وزير النقل يعرب بدر على أهمية القانون الجديد في تحسين مستوى السلامة المرورية في سورية من خلال الدور الذي سيلعبه في التخفيف من المخالفات المرورية التي تؤدي إلى الحوادث من جهة، وتحمل السائقين لمسؤولياتهم تجاه الالتزام بأنظمة السير وقواعده.
وبيّن الوزير أن أهم التعديلات الواردة في القانون الجديد فيما يخص وزارة النقل تتمثل فيما لحظه بخصوص إجازات السوق الحديثة المسماة بالشهادة ذات النقاط، إذ يحصل السائق على إجازة برصيد (16) نقطة وسيتم حذف نقاط محددة لكل نوع مخالفة عندما يتعلق الأمر بالسلامة المرورية، ما يؤدي إلى إحساس السائق بالمسؤولية خوفاً من نفاد هذه النقاط وبالتالي سحب الشهادة في حال ارتكابه للمخالفات، ما سينعكس إيجاباً على قيادته على الطرق سواء داخل المدن أو خارجها، ونوّه الوزير بدر بأهمية ما لحظه القانون بخصوص تركيب جهاز الصندوق الأسود التاغوغراف والعقوبات المشددة على التلاعب به وعدم تشغيله.
السائقون.. مطرح تعويضي للخزينة:
إذا كانت الجهات المساهمة في سنّ القانون الجديد ترى فيه محاولة لضبط السائقين والتخفيف من الحوادث المرورية وحماية المواطن، فإن كثيرين يخالفونها هذا الرأي، حيث يعتبرونه لا يعدو محاولة جديدة، وهذه المرة بشكل أوضح من المرات السابقة، لتحصيل أكبر قدر ممكن من الغرامات لرفد الخزينة التي يعتقد البعض أن مداخيلها في تناقص وتحتاج بالتالي إلى مطارح جديدة لتعويضه، وليس هناك أسهل من تحقيق ذلك مع السائقين الذين يجدون أنفسهم بلا حول ولا قوة..
يقول أحد سائقي الأجرة (شادي.أ): هذه غرامات خيالية، إنها تشجيع لنا على رشوة الشرطي الذي يزيد (أتاوته) مع كل قانون جديد، فالشرطي لن يرضى بعد اليوم بـ(50 أو 100 ليرة) لغض بصره عن مخالفة جعلها القانون الجديد تتجاوز الآلاف، ولكنني أعتقد رغم ذلك أن السائق مجبر على دفع هذه الرشوة بدلاً من دفع مبلغ يساوي كل ما يجنيه الواحد منا من عمله خلال شهر.
ويقول آخر: الطامة الكبرى هي أن لاشيء تغير في سلوك الشرطي الذي سيخالفك سواء خالفت أم لا، وسيخترع لك ألف مخالفة إن أنت رفضت دفع الأتاوة مرة بحجة حزام الأمان وأخرى بحجة وضع ملصق على السيارة، وغيرها من المبررات الجاهزة في كل لحظة.
سائق عمومي ثالث (فراس.ع) يقول: تخيل أن هناك عقوبة بخمسة وعشرين ألف ليرة سورية مع الحبس ثلاثة أشهر لمن يقود سيارة (بلوحات مشوهة قصداً)، وبالتالي لو افترضنا أن أحد سائقي التكسي ممن يسكنون في مناطق بها أطفال سيتعرض لعقوبة الحبس لثلاثة أشهر مع غرامة 25 ألف ليرة تضاعف إلى 50 ألفاً، علماً أن الدخل الشهري لهذا السائق لا يتجاوز وسطياً 15 ألف ليرة!! فهذا يعني أنه مع كل صافرة شرطي (وعبث أحد الأطفال بلوحة سيارة) يمكن أن تبقى أسرة هذا السائق بدون طعام لمدة شهرين.. هذا إن لم تطبق عقوبة السجن!
ويضيف آخر: ما هذه الأرقام؟ لكننا نتقبل كل هذه الغرامات في حال كان التطبيق سليماً وحقيقياً، ولكنك لا تعرف لأي سبب يمكن أن يقوم الشرطي بمخالفتك!!
فالقيادة الرعناء غرامتها 15 ألف ليرة وحجز، والامتناع عن تقديم الوثائق الخاصة بالمركبة أو الساق إلى موظفي السلطة المختصة 15 ألف وحجز، وأيضاً عدم تقيد سائق المركبة بإشارات المرور الضوئية أو عدم إطاعة الإشارة المعطاة من قبل منظم المرور (10 آلاف ليرة) وكذلك تجاوز مركبة وهي في حالة تجاوز مركبة أخرى (10 آلاف ليرة) واجتياز المركبة للخط الفاصل المستمر بين المسلك والآخر (10 آلاف ليرة) والتجاوز في حالة توقف رتل من السيارات بسبب عرقلة السير (10 آلاف ليرة)...
ويتساءل: هل يمكن لهذا النوع من المخالفات أن يكون قابلاً للضبط؟ إنه تصميم محلي فما معنى تجاوز أثناء التجاوز؟!
إنها بكل بساطة دعوة لكل سائقي الأجرة لترك العمل والجلوس في البيت!!
رأي أكاديمي..
بعيداً عن طرفي القانون المعنيين به، الأول بسنّه وإصدار تعليماته، والآخر بتنفيذه، هناك طرف ثالث لديه رأيه الخاص بالقانون الجديد..
يقول رئيس مركز الشرق للدراسات سمير التقي: إن الجديد في هذا القانون هو روح التشدد في العقوبات، لكن هذا التشدد لا يمكن أن يكون له مغزى ما لم يترافق بتقوية الجهاز الذي يطبق هذا القانون، وهو لا يقول بمجرد زيادة عدده، بل برفع مستوى أداء الأفراد فيه، ورفع مستوى تنظيم البنية المرورية، ويقوى بعامل ثالث يتعلق بتعزيز ودراسات تنظيم المدن سواء فيما يتعلق بأماكن الوقوف وتنظيم اليسر واتجاهاته وخدمات النقل العامة الموجهة للجمهور أو إدارة مختلف أشكال نقل البضائع والأفراد بين المحافظات.. أو السلوك الشخصي للسائق..
ويضيف التقي: إن أي مغزى للقانون لا يرتبط بصدوره فقط، بل بإعادة هيكلة جهاز المرور السوري بدءاً برفع مستوى الفرد إلى رفع مستوى الجهاز التنظيمي إلى رفع مستوى التنظيم العمراني في البلد، وبالتالي فإنه بدون النظر إلى الموضوع كشبكة متكاملة سينتهي هذا القانون كغيره من القوانين السابقة.
ويعتبر التقي أن أهم عنصر في تطبيق هذا القانون هو أن يسود القانون على الجميع وبدون سيادة القانون لا قيمة عملية لهذا القانون.
فآلاف المخالفات تُرتكب يومياً ولكن أياً منها يختار الشرطي لضبطها وعلى أي أساس؟
والتساؤل هنا هل يأتي هذا القانون في إطار معالجة شاملة لمشكلة السير أم أنه رقعة أخرى؟!
ويعتقد التقي أن مجرد صدور القانون هو أمر إيجابي، مضيفاً: أنا مع التشدد ولكن هناك عدم توازن في العقوبات، وهناك حزم من المخالفات غير منسجمة مع بعضها، ويقول: أخشى ما أخشاه أن يكون هناك وهم بأن هذا يكفي لمشكلة السير في الوقت الذي فيه الجانب المؤسساتي والجانب البشري الأساسيان لتطبيق هذا القانون.
من جانب آخر يتساءل التقي: كيف سأفرض الحزام على السائقين بينما كل شركات القطاع العام والجيش تقل ركابها في الكاميونات والشاحنات، فلا يجوز أن يكون هناك (حرّ وبرد على نفس السطح).
في المحصلة، يقول رئيس مركز الشرق: كل قانون فيه إيجابيات وسلبيات، لكن تطبيقه بشكل سليم منوط بالآلية التي سينفذ وفقها والجهة التي ستنفذه، وعموماً أنا لست ضد التشدد إذا كان ينقذ حياة شخص واحد..
أما المحامي والمستشار السابق في محكمة الاستئناف عدنان طبنج، فيعتقد من جهته أن الزيادات الكبيرة في قيمة الغرامات الموضوعة على المخالفات بهذا الشكل لا تتناسب مع طبيعة مجتمعنا، ففي مكان لا يطبق فيه القانون على الجميع يكون هذا القانون نكبة، لأنه يطبّق على الضعيف فقط!
ويضيف: عندما تصبح المخالفة ماثلة في وعي المواطن وقتها لا مشكلة إن كانت كبيرة أو صغيرة، وبالتالي يجب أن يسبقها التزام ذاتي.. وهنا من الواضح أن الأمر بحاجة إلى تأهيل للمواطن كي يتقبل النظام، وهذا لا يتأتى إلا مع تعامل مماثل مع كل المواطنين دون تمييز.
وعموماً، يبدو أن الجهة التي اقترحت مسودة القانون ربما كانت بصدد البحث عن طرق لمعالجة انخفاض دخل الخزينة من النفط، ولكنها بالتأكيد لم تقرأ التقارير المتعلقة بعدد الحوادث وعدد الوفيات والخسائر الاقتصادية الناجمة عنها، فهذه المعلومات كانت تفترض القيام بمعالجة جدية لمجمل النظام المروري!!
موضوع: قانون السير الجديد 
26/3/2008, 12:12 pm
