قهوة على الحائط(منقول)

موضوع: قهوة على الحائط(منقول) 19/8/2009, 7:45 am

في اذار 2009 وفي مدينة البندقية الإيطالية الجميلة، وفي ناحية من نواحي أزقتها النائية كنا أربعة عراقيين نحتسي قهوتنا في أحد المطاعم (بورتو فينيسيا).
فجلس إلى جانبنا شخص وقال للخادم (الكرسون – البوي) إثنان قهوة من فضلك واحد منهما على الحائط. فأحضر الخادم له فنجان قهوة وشربه صاحبنا لكنّه دفع ثمن فنجانين..! وعندما خرج الرجل قام الكرسون بتثبيت ورقة على الحائط مكتوب فيها فنجان قهوة واحد!
ابتسمت في سري وتمتمتُ مع نفسي قائلاً: من المحتمل انه مجنون أو سيأتي في وقت آخر ويحتسي الفنجان الثاني؟!! وبصوت مسموع همس أحد الجالسن الاربعة : هذه اوربا وهذه ايطاليا ( عيش وشوف ، قهوة عل حائط.... حتى القهوة مسلمت منهم)!
ولم تمر الا دقائق ليدخل شخصان وطلبا ثلاث فناجين قهوة واحد منهم على الحائط! فأحضر الخادم لهما فنجانين فشرباهما ودفعا ثمن ثلاث فناجين وخرجا..! فما كان من االكرسون إلا ّ أن قام بتثبيت ورقة على الحائط مكتوب فيها فنجان قهوة واحد..!؟
لم يتماسك احد اصدقائي نفسه وطلب منا الانصراف، لان المطعم بما فيه مجانين ولو بقينا 5 دقائق اخرى سنصاب بالجنون نحن أيضًا!!
وفي أحد المرات كنا في نفس المطعم للعشاء ، وبعد العشاء احتسينا 4 فناجين من القهوة العربية، فدخل شخص يبدو عليه الفقر فقال للخادم - الكرسون، من فضلك فنجان قهوة من على الحائط..( علق مضيفي بالهجة العراقية قائلاً: اشتغلت رحمة الله من جديد)! لم تمر إلاّ دقيقة واحدة ليحضر له الكرسون فنجان قهوة، فشربه وخرج بثقة من غير أن يدفع ثمنه. تطلعنا إلى بعضنا البعض مندهشين من فعلة هذا الفقير! لانه خرج دون ان يتحاسب، وقال والد صديقي (ماذا قلت لكم هذه اوربا _ حرامية _ سراق، يسرقون الكحل من العين بوضوح الشمس).
خرج الرجل الفقير بثقة أمام انظار الخادم ولم يحاسبه هذا الآخير قط أو يسأله عن الحساب!! وإلا بالخادم يذهب إلى الحائط وأنزل منه واحدة من الأوراق المعلقة ورماها في سلة المهملات! ثم تقدم نحو طاولتنا وحدثنا بعربية مصرية قائلاً: آ فهمتم ما معنى قهوة على الحائط ؟!. ثم ابتسم وقال هذه اوربا ياعم، ياليت تتعلم منها بلداننا، ثم انصرف يكمل خدماته بفرح.
حينها فهمنا ما معنى فنجان قهوة على الحائط، فشعرنا بوخز الضمير وخجلنا من انفسنا ، فعلق زميلنا قائلاً: ( عمي اوادم مو بديهم ). ثم دفعنا فاتورة العشاء وثمن 5 فناجين قهوة ، واحد منهم على الحائط!

حقيقةً تأثرنا جدًا لهذا التصرف الرائع والإنساني من سكان هذه المدينة والتي تعكس واحدة من أرقى أنواع التعاون الإنساني. وان احترامهم وتقيمهم للإنسان من الممكن ان يلمسه المرء من فنجان قهوة ..... يال سعادة الإنسان في هذه البلدان!

الحكمة :لا أجمل من أن نجد من يفكر بأن هناك أناس لا يملكون ثمن الطعام والشراب ونرى الكرسون – الخادم ، يقوم بدور الوسيط بينهما بسعادة بالغة وبوجه طلق مبتسم وبكل فرح وسرور. ونرى المحتاج يدخل المقهى وبدون أن يسأل هل لي بفنجان قهوة ، فبنظره منه للحائط يعرف أن بإمكانه أن يطلب اومن دون أن يعرف من تبرع به . إن لهذا المقهى مكانه خاصه في قلوب سكان مدينة فينسيا وزوارها وبات لها مكانًا مميزًا في قلوبنا وقلوب كل من يزورها.
من كتاب قصص روحية وإجتماعية للأب يوسغف جزراوي مراجعة وتقديم المطران لويس ساكو