منتديات شلة سوريا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
دخولأحدث الصوربحـثالتسجيلالرئيسية

 

 مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
أحمد عكاش
عضو جديد
عضو جديد



ذكر
الجدي
الفأر
عدد المساهمات : 8
تاريخ الميلاد : 15/01/1949
العمر : 75
العمل/الترفيه : مدرس لغة عربية
المزاج : طبيعي
السٌّمعَة : 0
نقاط : 15
تاريخ التسجيل : 08/11/2010

مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني   Empty
مُساهمةموضوع: مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني    مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني   Icon_minitime9/11/2010, 10:16 am

مدرسة الصالحين بقلم: أحمد عكاش (الجزء الثاني)

وَفِي لَيْلَةٍ .. بَيْنَما كَانَ t يَتَفَقَّدُ أَحْوَالَ الرَّعِيَّةِ، سَمِعَ امْرَأَةً تَقُولُ لابْنَتِها:

-اِخْلِطِي الحَلِيبَ بِالمَاءِ يَا ابْنَتِي.

لَكِنَّ البِنْتَ اِسْتَنْكَرَتِ الطَّلَبَ، فَقَالَتْ لأُمِّها:

-يا أُمَّاهُ أَوَلَيْسَ قَدْ نَادَى (عُمَرُ) أَلاَّ يُخْلَطَ الحَلِيبُ بِالمَاءِ؟.

قَالَتِ الأُمُّ: وَمِنْ أَيْنَ لِعُمَرَ أَنْ يَعْلَمَ بِما نَصْنَعُ؟.

قَالَتِ البِنْتُ: مَا كَانَ لَنا أَنْ نُطِيعَهُ فِي المَلأِ([1])، وَنَعْصِيَهُ فِي الخَفَاءِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ (عُمَرُ) لا يَعْلَمُ فَإِنَّ رَبَّ (عُمَرَ) يَعْلَمُ.

لَمْ تُطِعِ البِنْتُ أُمَّها فِي مَعْصِيَةِ خَالِقِها، وَ(عُمَرُ) يَسْمَعُ وَيَحْمَدُ اللهَ فِي سِرِّهِ أَنْ نَشَأَ فِي رَعِيَّتِهِ جِيلٌ يُرَجِّحُ رِضَا الخَالِقِ عَلَى رِضَا المَخْلُوقِ وَإِنْ كَانَ أُمّاً، وَيُقَدِّمُ مَرْضَاةَ اللهِ عَلَى شَهْوَةِ المَالِ، وَيُؤْثِرُ الرِّزْقَ الحَلالَ الطَّيِّبَ وَإِنْ كَانَ نَزْراً([2])، عَلَى الغِنَى إِنْ شَابَتْهُ أَدْرَانُ الحَرَامِ أوِ الشُّبُهَاتِ.

جَاشَتْ نَفْسُ (عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ) t بِمَشَاعِرِ الإِكْبَارِ لِهَذِهِ البِنْتِ، فَهِيَ جَوْهَرَةٌ مَكْنُونَةٌ، هَذِهِ شَجَرَةٌ مُبَارَكَةٌ أُكُلُها طَيِّبٌ، وَفَرْعُها سَامٍ يَشْرَئِبُّ إِلَى السَّمَاءِ، هَذِهِ تُرْبَةٌ خِصْبَةٌ لا تُنْبِتُ إِلاَّ طَيِّباً، فَإِنْ ظَفِرَ بِها أَحَدُ أَبْنَائِهِ زَوْجَةً فَقَدْ يَكُونُ مِنْ نَسْلِها ذُرِّيَّةٌ صَالِحَةٌ.

وَيَعْرِضُ (عُمَرُ) عَلَى أَبْنَائِهِ الزَّوَاجَ مِنْ هَذِهِ البِنْتِ، بِنْتِ بَائِعَةِ الحَلِيبِ، فَيَتَزَوَّجُها ابْنُهُ (عَاصِمٌ)، ثُمَّ تَلِدُ هَذِهِ البِنْتُ بِنْتاً يَتَزَوَّجُها (عَبْدُ العَزِيزِ)، مِنْ تِلْكُمُ الزَّوْجَةِ، وَذَلِكُمُ الزَّوْجِ يَلِدُ (عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ) t، فَهُوَ إِذَنْ:

((أَبُوحَفْصٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ بْنِ عَبْدِ مُنَافٍ، وَأُمُّهُ أُمُّ عَاصِمٍ بِنْتُ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ y )).

وَلَقَدْ ظَلَمَتْهُ أَسْفَارُ التَّارِيخِ الَّتي تَنَاوَلَتْ سِيرَتَهُ ظُلْماً بَيِّناً، إِذْ تَنْعَتُهُ حِيناً بأَشَجِّ قُرَيْشٍ، وَحِيناً آخَرَ بِأَشَجِّ بَني مَرْوَانَ، وَحِيناً ثالِثاً بِأَشَجِّ بَنِي أُمَيَّةَ، وَتَناسَتْ هَذِهِ المَصَادِرُ أَنَّ تَلْكَ الشَّجَّةَ إِنْ هِيَ إِلاَ تَاجٌ يَزْهُو عَلَى ذَاكَ الجَبِينِ الوَضَّاءِ، وَهُوِيَّةٌ مَحْفُورَةٌ لا تَزُولُ، تَشْهَدُ بِأَنَّ حَامِلَها هُوَ الَّذِي تَنَبَّأَ فِيهِ (عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ) إِذْ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ وَلَدِي رَجُلاً بِوَجْهِهِ شَجَّةٌ، يَمْلأُ الأَرْضَ عَدْلاً، كَما مُلِئَتْ جَوْراً.

فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ دَخَلَ وَهُوَ غُلامٌ اِسْطَبْلَ أَبِيهِ يَلْعَبُ، فَرَمَحَتْهُ([3]) بَغْلَةٌ عَلَى جَبِينِهِ، فَشَجَّتْهُ وَتَرَكَتْ أَثَراً وَاضِحاً دَائِماً فِي جَبِينِهِ حَتَّى لُقِّبَ بِذَلِكَ.

يَقُولُونَ: الشَّهادَةُ الحَقُّ مَا شَهِدَ بِهَا الأَعْدَاءُ، وَلَقَدْ طَارَتْ شُهْرَةُ (عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ) t ،في الآفَاقِ حَتّى بَلَغَتْ (مَلِكَ الرُّومِ) حِينَها، فَلَمْ يَسَعْهُ إِلاَّ أَنْ يُطَأْطِئَ بِرَأْسِهِ إِقْراراً لِهَذَا الرَّجُلِ بِالزُّهْدِ وَنَقَاءِ الرُّوحِ، فَيُرْوَى أَنَّ (مَلِكَ الرُّومِ) لَمَّا بَلَغَهُ نَبَأُ وَفَاةِ (الرَّجُلِ الصَّالِحِ)؛ وَكَانُوا فِيما بَيْنَهُمْ يُلَقِّبُونَ (عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ) t بِـ (الرَّجُلِ الصَّالِحِ)، جَلَسَ عَلَى الأَرْضِ مُكْتَئِباً حَزِيناً وَقَالَ:

-لأَحْسِبُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ يُحْيِي المَوْتَى – بِإِذْنِ اللهِ تَعالَى- بَعْدَ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ لأَحْيَاهُمْ (عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ).

ذَلِكُمْ هُوَ الخَلِيفَةُ الرَّاهِبُ... أَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ مِنْ قَوْلِي: (الرَّاهِبَ)، فَلا رَهْبَنَةَ فِي الإِسْلامِ، بَلْ قُلْ: ذَلِكَ هُوَ الخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ، (عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ) t.

إِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ النِّسَاءِ فَهُوَ حَفِيدُ بَائِعَةِ الحَلِيبِ الَّتي خَشِيَتْ فِي الغَيْبِ رَبَّ عُمَرَ، وَمِنْ جِهَةِ الرِّجَالِ هُوَ حَفِيدُ (عُمَرَ) نَفْسِهِ، فَهُوَ خِيارٌ مِنْ خِيَارٍ مِنْ خِيارٍ، فَهَاتِ .. قُلْ لِي بِرَبِّكَ كَمْ رَجُلاً فِي تَارِيخِ البَشَرِيَّةِ كُلِّها جَمَعَ فِي شَخْصِهِ هَذِهِ المَكَارِمَ كُلَّها؟ إِنْ أَحْصَيْتَهُمْ أَلْفَيْتَهُمْ يُعَدُّونَ عَلَى أَصَابِعِ اليَدِ الوَاحِدَةِ، وَأَلْفَيْتَ (عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ) لا رَيْبَ أَحَدَهُمْ.

هَلْ تَبَوَّأَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هَذِهِ الذُّرْوَةَ الرَّفِيعَةَ فَقَطْ لأَنَّهُ ابْنُ الأَكْرَمِينَ؟ لا .. البَتَّةَ، إِنَّهُ ابْنُ الأَكْرَمِينَ، وَإِنَّهُ أَعْدَلُ الحُكَّامِ، وَإِنَّهُ أَزْهَدُ الحُكَّامِ، وَإِنَّهُ قالَ فِيهِ مَلِكُ الرُّومِ:

-لَسْتُ أَعْجَبُ مِنَ الرَّاهِبِ أَغْلَقَ بَابَهُ وَرَفَضَ الدُّنْيا وَتَرَهَّبَ وَتَعَبَّدَ، وَلَكِنْ أَتَعَجَّبُ مِمّنْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ فَرَفَضَها ثُمَّ .. تَرَهَّبَ.

أَجَلْ وَاللهِ هَذَا مَا كَانَ، أَغْلَقَ (عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ) بَابَهُ دُونَ الخِلافَةِ فَأَبَتِ الخِلافَةُ إِلاَّ أَنْ تَأْخُذَ بِأَذْيالِ ثَوْبِهِ، وَتَزْحَفَ خَلْفَهُ بِإِلْحَاحٍ حَتّى لَمْ تَدَعْ لَهُ مَهْرَباً منها.

فَالتَّارِيخُ يُحَدِّثُنا أَنَّ (سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ المَلِكِ) لَمَّا مَرِضَ المَرَضَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، دَعا بِقِرْطَاسٍ فَكَتَبَ فِيهِ العَهْدَ لِـ (عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ)، وَمِنْ بَعْدِ (عُمَرَ) لِـ (يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ)، وَخَتَمَهُ، ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى صَاحِبِهِ الصَّالِحِ (رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ) وَقَالَ لَهُ:

-اُخْرُجْ إِلَى النَّاسِ فَمُرْهُمْ فَلْيُبَايِعُوا عَلَى مَا فِي هَذَا الكِتابِ مَخْتُوماً.

فَبَايَعُوا عَلَى مَا فِيهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِفُوا مَا فِيهِ.

وَانْصَرَفَ (رَجَاءٌ) إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَحِقَ بِهِ (عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ) فَقَالَ لَهُ:

-يَا (رَجَاءُ) إِنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي أَمْرٌ كَثِيرٌ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ، أَتَخَوَّفُ أَنْ يَكُونَ قَدْ جَعَلَها إِلَيَّ (يَعْنِي الخِلافَةَ)، وَلَسْتُ أَقُومُ بِهَذَا الشَّأْنِ، فَأَعْلِمْنِي مَا دَامَ فِي الأَمْرِ نَفَسٌ، لَعَلِّي أَتَخَلَّصُ مِنْهُ مَادَامَ حيّاً.

قَالَ (رَجَاءٌ): سُبْحَانَ اللهِ.. يَسْتَكْتِمُنِي أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ أَمْراً، تُرِيدُ أَنْتَ أَنْ أُطْلِعَكَ عَلَيْهِ؟!.

ثُمَّ اسْمَعْهُ يَكْتُبُ فِيمَا بَعْدُ فِي رِسَالَةٍ إِلَى (سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ) y يَقُولُ فِيها:

-..أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللهَ ابْتَلانِي بِهِ مِنْ أَمْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ غَيْرِ مُشَاوَرَةٍ مِنِّي فِيهَا، وَلا طَلِبَةٍ مِنِّي لَهَا، إِلاَّ قَضَاءَ الرَّحْمَنِ وَقَدَرَهُ، فَأَسْأَلُ الَّذِي اِبْتَلانِي مِنْ أَمْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ بِمَا اِبْتَلانِي أَنْ يُعِينَنِي عَلَى مَا وَلاَّنِي، وَأَنْ يَرْزُقَنِي مِنْهُمُ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ وَحُسْنَ مُؤَازَرَةٍ، وَأَنْ يَرْزُقَهُمْ مِنِّي الرَّأْفَةَ وَالمَعْدَلَةَ ..

فَهَلْ سَمِعْتَ مِنْ قَبْلُ أَوْ رَأَيْتَ إِنْسَاناً يَفِرُّ مِنْ عَرْشِ الحُكْمِ زُهْداً وَكَرَاهِيَةً، وَالعَرْشُ يُلاحِقُهُ؟ لا عَجَبَ .. هَذَا (عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ)، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، الَّذِي كَانَ مَدْرَسَةً فِي الزُّهْدِ، فَقُلْ لأَبَاطِرَةِ العَالَمِ وَأَكَاسِرَتِهِ: تَتَلْمَذُوا عَلَيْهِ، فَهَذِهِ مَدْرَسَةُ الصَّالِحِينَ.

لَمَّا أَدْرَكَ (عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ) t أَنَّ مَنِيَّتَهُ دَنَتْ، قَالَ لَهُ أَحَدُ الحَاضِرِينَ:

-ألا تُوصِي بِالخِلافَةِ إِلَى ابْنِكَ مِنْ بَعْدِكَ ؟.

أَبَى ذَلِكَ وَقَالَ:

-يَكْفِي آلَ الخَطَّابِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ يَحْمِلُ وِزْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ.

وَهُنَا يَتَكَرَّرُ هَذَا المَوْقِفُ نَفْسُهُ مَعَ (عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ) t ،فَقَدْ كَانَ ابْنُهُ (عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ) صَالِحاً يَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ، وَكَانَ يُعِينُ أَبَاهُ عَلَى البِرِّ وَالإِحْسَانِ، نَاصِحاً لَهُ، شَادّاً مِنْ أَزْرِهِ فِي أَدَاءِ المَكْرُمَاتِ، مُنْذُ اليَوْمِ الأَوَّلِ الَّذِي أُسْنِدَتْ فِيهِ مَقَالِيدُ الخِلافَةِ إِلَى (عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ)، فَبَعْدَ أَنْ عَادَ (عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ) مِنْ جِنازَةِ (سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ) سَنَةَ سِتِّينَ لِلْهِجْرَةِ ذَهَبَ يَتَبَوَّأُ مَقِيلاً، فَأَتَاهُ ابْنُهُ (عَبْدُ المَلِكِ) فَقَالَ لَهُ: مَا تُرِيدُ أَنْ تَصْنَعَ يَا أَبَتِ؟.

فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ ! أَقِيلُ([4]).

فَقَالَ: أَتَقِيلُ وَلا تَرُدُّ المَظَالِمَ إِلَى أَهْلِهَا؟.

قَالَ: أَيْ بُنَيَّ ! إِنِّي سَهِرْتُ البَارِحَةَ فِي أَمْرِ عَمِّكَ (سُلَيْمانَ)، فَإِذَا صَلَّيْتُ الظُّهْرَ، رَدَدْتُ المَظَالِمَ.

فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ ! مِنْ أَيْنَ لَكَ أَنْ تَعِيشَ إِلَى الظُّهْرِ !؟.

فَقَالَ: ادْنُ مِنِّي.

فَدَنَا مِنْهُ، فَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ:

-الحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَخْرَجَ مِنْ ظَهْرِي مَنْ يُعِينُنِي عَلَى دِينِي.

فَخَرَجَ وَلَمْ يَقِلْ.

وَدَخَلَ (عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ) يَوْماً عَلَى أَبِيهِ (عُمَرَ) أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ فَقَالَ:

-يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ ! إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً .. فَأَخْلِنِي([5]).

وَكَانَ (مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ) عِنْدَ أَمِيرِ المُؤْمِنينَ (عُمَرَ) فَقَالَ (عُمَرُ) لابْنِهِ:

-أَسِرٌّ دُونَ عَمِّكَ؟

فَقَالَ: نَعَمْ.

فَقَامَ (مَسْلَمَةُ) وَخَرَجَ، وَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ:

-يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ ! مَا أَنْتَ قَائِلٌ لِرَبِّكَ غَداً إِذَا سَأَلَكَ فَقَالَ: (( رَأَيْتَ بِدْعَةً فَلَمْ تُمِتْهَا، أَوْ سُنَّةً لَمْ تُحْيِهَا؟ )).

فَقَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ لَهُ:

-يَا بُنَيَّ ! أَشَيْءٌ حَمَّلَتْكَهُ الرَّعِيَّةُ إِلَيَّ، أَمْ رَأْيٌ رَأَيْتَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِكَ؟.

قَالَ: لا وَاللهِ؛ وَلَكِنْ رَأْيٌ رَأَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي، وَعَرَفْتُ أَنَّكَ مَسْؤُولٌ، فَمَا أَنْت قَائِلٌ؟.

فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: رَحِمَكَ اللهُ، وَجَزَاكَ مِنْ وَلَدٍ خَيْراً، فَوَ اللهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنَ الأَعْوَانِ عَلَى الخَيْرِ ... أَوَ مَا تَرْضَى أَلاَّ يَأْتِيَ عَلَى أَبِيكَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا، إِلاَّ وَهُوَ يُمِيتُ فِيهِ بِدْعَةً، وَيُحْيِي فِيهِ سُنَّةً، حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَهُوَ خَيْرُ الحَاكِمِينَ.

فَلَوْ أَنَّ (عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ) t عَهِدَ بِالخِلافَةِ مِنْ بَعْدِهِ إِلَى ابْنِهِ (عَبْدِ المَلِكِ) هَذَا، هَلْ كَانَ يُتَّهَمُ بِأَنَّهُ لَمْ يَنْصَحْ لِلأُمَّةِ ؟، أَوْ أَنَّهُ أَمَّرَ عَلَيْها مَنْ لا يَصْلُحُ لِلإِمَارَةِ، فَقَطْ لأَنَّهُ ابْنُهُ، ولا يُريدُ لِبِسَاطِ الحُكْمِ أَنْ يُسْحَبَ مِنْ تَحْتِ أَهْلِ بَيْتِهِ؟. أَقُولُ بِإِيمَانٍ لَوْ أَنَّ القَدَرَ أَمْهَلَ (عَبْدَ المَلِكِ بْنَ عُمَرَ) أَكْثَرَ، وَلَوْ أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى عَرْشِ الحُكْمِ لَشَهِدَتِ الأُمَّةُ الإِسْلاَمِيَّةُ فِيهِ خَلَفاً صَالِحاً، لأَبٍ صَالِحٍ، لَكِنَّ (عَبْدَ المَلِكِ بْنَ عُمَرَ) يَمُوتُ، فَجَعَلَ (عُمَرُ) يُثْنِي عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ (مَسْلَمَةُ):

-يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ ! لَوْ بَقِيَ أَكُنْتَ تَعْهَدُ إِلَيْهِ؟.

قَالَ: لا.

قَالَ: وَلِمَ وَأَنْتَ تُثْنِي عَلَيْهِ؟.

قَالَ: أَخَافُ أَن يَّكُونَ زُيِّنَ فِي عَيْنِي مِنْهُ مَا زُيِّنَ فِي عَيْنِ الوَالِدِ مِنْ وَلَدِهِ.

أَلا يَا شَآبِيبَ([6]) الرَّحْمَةِ اِنْسَكِبي مِدْرَارَةً عَلَى قَبْرٍ ضَمَّ ذَاكَ الرُّفاةَ الطَّاهِرَ، فَمَنْ مِثْلُكَ يَا (عُمَرُ) يَا حَفِيدَ (عُمَرَ) ؟ فَيَا قَيَاصِرَةَ العَالَمِ وَأَكَاسِرَتَهُ! تَتَلْمَذُوا عَلَيْهِ، فَذَاكَ مَدْرَسَةُ الصَّالِحِينَ.
*


لَوْ رُحْتَ تَتَكَلَّمُ عَنِ الشَّمْسِ وَأَوْجُهِ الرَّوْعَةِ وَالخَيْرِ فِيها، لَوَجَدْتَ أَمَامَكَ بَحْراً زَاخِراً تَحَارُ مِنْ أَيِّ سَوَاحِلِهِ تَغْتَرِفُ، أَعَنْ نُورِها تَتَحَدَّثُ أَمْ عَنْ دِفْئِها أَمْ عَنْ تَحَكُّمِها فِي تَحْدِيدِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَتَعَاقُبِهِما...، مِثْلُ ذَلِكَ تَجِدُهُ حِينَ تَوَدُّ الحَدِيثَ عَنْ (عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ) t، لِهَذَا أُعْلِنُ مُسْبَقاً أَنِّي لَنْ أَتَحَدَّثَ عَنْ خِصَالِهِ الجَمَّةِ كُلِّها، فَهَذَا وَايْمُ اللهِ فَوْقَ قُدْرَاتِي، وَيَشْهَدُ اللهُ أَنِّي لا أَسْعَى الآنَ إِلَى الزَّعْمِ بِتَواضُعِي، لَكِنَّ (عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ) t، فِي حَقِيقَتِهِ أَجَلُّ وَأَسْمَى مِنْ أَنْ يُحِيطَ قَلَمٌ بِجَانِبٍ بَسِيطٍ مِنْ جَوانِبِ حَيَاتِهِ الحَافِلَةِ بِمَكارِمِ الصِّفَاتِ، فَهُوَ قِمَّةٌ بَاذِخَةٌ فِي الشُّمُوخِ، تَرْنُو إِلَيْهِ الأَبْصَارُ وَلا تَبْلُغُهُ الهِمَمُ، وَأَنَّى لِمَنْ جُبِلَ مِنْ طِينٍ، أَنْ يُدْرِكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَغْلِبُ فِيهِمُ النُّورُ مَا سِوَاهُ؟.

لِهَذَا أُعْلِنُ أَنِّي سَأُشيرُ إِشَاراتٍ – عَلَى قَدْرِ نَفْسِي- إِلَى مِيزَةٍ جَلِيَّةٍ فِي سِيرَتِهِ t، هِيَ (الزُّهْدُ) فِي المَأْكَلِ وَالمَلْبَسِ فَقَطْ فَهُمَا حَسْبُنَا، فَقَدْ كَانَ t فِي الزُّهْدِ بِمَنْزِلَةِ المَدْرَسَةِ وَالأُسْتَاذِ مَعاً.

رَأَيْنَاهُ مُنْذُ حِينٍ يَجِدُّ خَلْفَ (رَجَاءٍ) وَيُعْرِبُ لَهُ أَنَّهُ مُتَخَوِّفٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (سُلَيْمَانُ) ابْنُ عَمِّهِ، قَدْ جَعَلَ الخِلافَةَ مِنْ بَعْدِهِ لَهُ، وَأَنَّهُ سَيَسْعَى إِلَى صَرْفِها عَنْهُ إِنْ كَانَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ قَدْ فَعَلَ.

فَلَمَّا قُرِئَ كِتَابُ (سُلَيْمَانَ) عَلَى العَامَّةِ يُعْلِنُ فِيهِ اِسْمَ الخَلِيفَةِ مِنْ بَعْدِهِ، قَالُوا: أَيْنَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ؟.

فَطَلَبُوهُ فَلَمْ يُوجَدْ فِي القَوْمِ، فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ فِي مُؤَخَّرِ المَسْجِدِ، فَأَتَوْهُ يُهْرَعُونَ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بِالخِلافَةِ، وَعَرَضُوا عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَلِيَ المِنْبَرَ لِيَتَقَبَّلَ مِنْهُمُ البَيْعَةَ، فَقَالَ لِرَجَاءٍ:

- ذَبَحْتُمُونِي بِغَيْرِ سِكِّينٍ.

فَلَمَّا هَمَّ بِالنُّهُوضِ، عُقِرَ وَخَانَتْهُ رِجْلاهُ، لَوْلا أَنْ أَخَذُوا بِضَبْعَيْهِ([7]) وَسَارُوا بِهِ إِلَى المِنْبَرِ وَأَصْعَدُوهُ دَرَجَاتِهِ وَأَجْلَسُوهُ عَلَيْهِ، جَلَسَ (عُمَرُ) صَامِتاً لا يَتَكَلَّمُ، وَطَالَ الجُلُوسُ وَطَالَ الصَّمْتُ، وَالنَّاسُ يَتَأَمَّلُونَ وَيَنْتَظِرُونَ، وَتَعْصِفُ بِالرَّأْسِ الجَمِيلِ عَوَاصِفُ الوَجَلِ وَالتَّهَيُّبِ:

- (( رَحِمَكَ اللهُ يَا ابْنَ الخَطّابِ، قُلْتَ يَوْماً: لَوْ مَاتَ جَدْيٌ بِطَفِّ الفُرَاتِ([8]) لَخَشِيتُ أَنْ يُطَالِبَ اللهُ بِهِ عُمَرَ، لِمَاذَا لَمْ يُعَبِّدْ لَهُ الطَّرِيقَ ؟! ))؛ فَمَاذَا سَيَقُولُ (( ابْنُ عَبْدِ العَزِيزِ )) الآنَ وَقَدِ اِتَّسَعَتْ رُقْعَةُ الإِسْلامِ أَبْعَدَ مِنَ العِرَاقِ بِمَا يَفُوقُ المَسَافَةَ بَيْنَنا وَبَيْنَ العِرَاقِ أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً ؟. مَاذَا سَيَقُولُ (ابْنُ عَبْدِ العَزِيزِ) وَبَعْضٌ مِنْ غِلاظِ الأَكبَادِ كَـ (الحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ الثَّقَفِيِّ) فِي (العِرَاقِ) وَ(عُثْمَانَ بْنِ حَيَّانَ) فِي (الحِجَازِ)، وَ(الوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ) بِالشَّامِ، وَ(قُرَّةَ بْنِ شُرَيْكٍ) بِمِصْرَ، وَ(مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ) بِاليَمَنَ، ِيَأْخُذُونَ بِرِقَابِ العِبَادِ؟، قَدِ امْتَلأَتِ الأَرْضُ وَاللهِ جَوْراً.

وَبَيْتُ مَالِ المُسْلِمِينَ عَامِرٌ بِأَكْدَاسِ الأَمْوَالِ، وَالسَّاعُونَ إِلَى التَّرَفِ يَجِلُّونَ عَنْ أَنْ يُحْصَوْا ... وَ( اِبنُ عَبْدِ العَزِيزِ ) مَسْؤُولٌ عَنْ أَولَئِكُمْ جَمِيعاً أَمَامَ حَاكِمٍ عَادِلٍ لا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ([9]) مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ شُؤُونِ هَذِهِ الدَّوْلَةِ النَّاشِئَةِ المُتَرَامِيَةِ الجَنَبَاتِ؟ أَلا .. فَاتَ أَوَانُ التَّفْكِيرِ فِي هَذَا كُلِّهِ، وَلا بُدَّ الآنَ مِنَ النُّهُوضِ بِوَاجِبِ الخِلافَةِ، فَمَا يَجِبُ التَّفْكِيرُ فِيهِ الآنَ هُوَ: كَيْفُ نَسِيرُ بِهَذِهِ السَّفِينَةِ سَالِمَةً إِلَى شَاطِئِ السَّلامِ ؟ )).

أَخِيراً .. يَرْفَعُ (عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ) رَأْسَهُ وَيُجِيلُ فِي النَّاسِ نَظْرَةً فِيها مِنَ الذُلِّ للهِ والانْكِسَارِ لَهُ الشّيْءُ الكَثِيرُ، فَلَمَّا رَأَى ( رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ ) النَّاسَ جُلُوساً قَالَ:

- أَلا تَقُومُونَ إِلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ فَتُبَايِعُونَهُ ؟.

فَنَهَضَ القَوْمُ إِلَيْهِ، فَبَايَعُوهُ رَجُلاً رَجُلاً؛ فَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهِمْ.

وَيَدْفِنُ (عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ) مَعَ النَّاسِ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ المُتَوَفَّى (سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ المَلِكِ)، فَأُتِيَ بِبُرْدٍ كَانَ يُلْقَى لِلْخُلَفَاءِ يَقْعُدُونَ عَلَيْهِ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الجِنَازَةِ، فَأَلْقِيَ لَهُ فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ ثُمَّ قَعَدَ عَلَى الأَرْضِ.

وَيَلْتَفِتُ لِيَعُودَ إِلَى مَنْزِلِهِ؛ فَيَأْتِيهِ صَاحِبُ المَرَاكِبِ بِمَرْكَبَةٍ وَطِيئَةٍ وَثِيرَةٍ مُزَرْكَشَةٍ مُظَلَّلَةٍ بِقُمَاشٍ مُلَوَّنٍ، تَجُرُّهَا خُيُولٌ أَرْبَعَةٌ أَصِيلَةٌ، مُغَطَّاةٌ بِالقُمَاشِ وَالأَشْرِطَةِ المُلَوَّنَةِ المُزَيَّنَةِ بِالخَرَزِ، وَعَلَى لُجُمِها جَوَاهِرُ نَفِيسَةٌ، تَبْرُقُ تَحْتَ الشَّمْسِ بَرِيقاً يَخْطَفُ الأَبْصَارَ، فَقَالَ (عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ):

-مَا هَذَا ؟.

قَالَ: مَرْكَبٌ لِلْخَلِيفَةِ.

قَالَ: مَا شَاءَ اللهُ، لا قُوَّةَ إلاَّ بِاللهِ؛ لا حَاجَةَ لِي فِيهِ ... إِيتُونِي بِدَابَّتِي..قُومُوا إِلَى بَغْلَتِي.

فَأَتَوْهُ بِدَابَّتِهِ فَرَكِبَهَا، ثُمَّ مَضَى يَسِيرُ، وَسَارُوا مَعَهُ، فَمَالُوا إِلَى طَرِيقٍ؛ قَالَ: إِلَى أَيْنَ؟

قَالُوا: إِلَى البَيْتِ الَّذِي يُهَيَّأُ لِلْخَلِيفَةِ.

قَالَ: لا حَاجَةَ لِي فِيهِ، انْطَلِقُوا بِي إِلَى مَنْزِلِي.

فَأَتَى مَنْزِلَهُ، فَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ، ثُمَّ دَعَا بِدَوَاةٍ وَقِرْطَاسٍ، وَجَعَلَ يَكْتُبُ بِيَدِهِ إِلَى العُّمَّالِ فِي الأَمْصَارِ، وَيُمِلُّ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الخُلَفَاءِ بِأَنْ يُمِلَّ الخَلِيفَةُ، وَيَكْتُبَ كَاتِبٌ لَهُ.

ثُمَّ أَتَاهُ بَعْدَ حِينٍ أَصْحَابُ مَرَاكِبِ الخِلافَةِ يَطْلُبُونَ عَلَفَها، فَأَمَرَ بِهَا فَبِيعَتْ، وَجُعِلَ ثَمَنُهَا فِي بَيْتِ المَالِ، وَقَالَ:

- بَغْلَتِي تَكْفِينِي.

وَأَوَّلُ مَا بَدَأَ بِهِ (عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ) لَمَّا اسْتَقَرَّتِ البَيْعَةُ لَهُ، أَنَّهُ رَدَّ مَا كَانَ لِـ (فَاطِمَةَ بِنْتِ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ) زَوْجَتِهِ مِنَ المَالِ وَالحَلْيِ وَالجَوَاهِرِ إِلَى بَيْتِ مَالِ المُسْلِمِينَ، وَكَانَ عِنْدَهُا جَوْهَرٌ أَمَرَ لَهَا بِهِ أَبُوهَا، لَمْ يُرَ مِثْلُهُ، قَالَ لَهَا (عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ):

-اِخْتَارِي، إِمَّا أَنْ تَرُدِّي حَلْيَكِ إِلَى بَيْتِ المَالِ، وَإِمَّا أَنْ تَأْذَنِي لِي فِي فِرَاقِكِ، فَإِنَّهُ أَكْرَهُ أَنْ أَكُونَ أَنَا وَأَنْتِ وَهُوَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ.

قَالَتْ: لا، بَلْ أَخْتَارُكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى أَضْعَافِهِ.

فَرَدَّتْهُ جَمِيعاً، فَأَمَرَ بِهِ فَحُمِلَ حَتَّى وُضِعَ فِي بَيْتِ مَالِ المُسْلِمِينَ؛ وَلَمَّا وَلِيَ أَخُوهَا (يَزِيدُ) مِنْ بَعْدِهِ، قَالَ لَهَا:

-إِنْ شِئْتِ رَدَدْتُهُ إِلَيْكِ.

فَأَبَتْ، وَقَالَتْ: فَإِنِّي لا أَشَاؤُهُ، طِبْتُ عَنْهُ نَفْساً فِي حَيَاةِ (عُمَرَ) وَأَرْجِعُ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؟ لا وَاللهِ أَبَداً، مَا كُنْتُ لأُطِيعَهُ حَيّاً وَأَعْصِيَهُ مَيْتاً.
*


ثُمَّ يَدْخُلُ t مَجْلِسَ الخَلِيفَةِ ... قَاعَةٌ فَسِيحَةٌ رَحْبَةٌ بَاذِخَةُ الرِّيَاشِ، فَانْتَابَهُ شُعُورٌ لَمْ يَسْتَشْعِرْهُ قَبْلَ اليَوْمِ، لَيْسَتْ هَذِهِ الرَّدْهَةُ جَدِيدَةً عَلَيْهِ، فَقَدْ أَمْضَى السِّنِينَ العَدِيدَةَ المَاضِيَةَ فِي جَنَبَاتِها، فَقَدْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الرَّاحِلِ ابْنِ عَمِّهِ (سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ) يَتَداوَلُونَ الرَّأْيَ فِي شُؤُونِ الحُكْمِ .. وَيُسَامِرُ الخَلِيفَةَ، وَيَنْصَحُ لَهُ.. لَكِنَّ مَا يَخْتَلِجُ الآنَ فِي نَفْسِهِ إِحْسَاسٌ جَدِيدٌ غَرِيبٌ، هَذِهِ أَوَّلُ مَرَّةٍ يَدْخُلُ فِيها هَذَا المَجْلِسَ أَمِيراً عَلَى المُؤْمِنِينَ، فَشَتَّانَ دُخُولُهُ اليَوْمَ وَدُخُولُهُ أَمْسِ أَوْ أَوَّلَ أَمْسِ، اقْتَحَمَتْ عَيْنَاهُ عَلَى الجُدُرِ سَتَائِرَ هَفْهَافَةً نَاعِمَةً بَاذِخَةً تَتَدَلَّى بِسَخَاءٍ وَتَرَفٍ، وَتَتَحَرَّكُ بِدَلالٍ مَعَ النَّسِيمِ الرَّقِيقِ المتَسَلِّلِ عَبْرَ النَّوَافِذِ، وَوَقَعَ نَظَرُهُ عَلَى سَجَاجِيدَ تُغَطِّي الأَرْضَ حَتَّى لَيَكَادَ الدَّاخِلُ إِلَى المَجْلِسِ لَيَشْعُرُ بِالإِثْمِ إِذْ تَطَأُ قَدَماهُ هَذَا الوَبَرَ النَّاعِمَ البَرَّاقَ، .. وَتَسَاءَلَ (عُمَرُ) فِي سِرِّهِ: لِمَاذَا لَمْ آَبَهْ مِنْ قَبْلُ لِهَذَا السَّرَفِ؟. لِمَاذَا لَمْ آبَهْ مِنْ قَبْلُ لِهَذِهِ النَّفَقَاتِ البَاهِظَةِ؟ لِمَاذا لَمْ أَتَسَ‍اءَلْ مِنْ قَبْلُ عَنْ جَدْوَى هَذَا كُلِّهِ؟..

(عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ) t، الَّذِي كَانَ يَدْخُلُ هُنَا بِالأَمْسِ إِنْسَانٌ غَيْرُ (عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ) الَّذِي يَدُورُ رَأْسُهُ الآنَ حَوْلَهُ يُقَلِّبُ نَظَرَهُ فِيما يَرى؛ قَبْلَ سَاعَةٍ سَأَلَهُ أَ حَدُ مَوَالِيهِ:

-مَالِي أَرَاكَ مُغْتَمّاً ؟.

فَقَالَ: لِمِثْلِ مَا أَنَا فِيهِ يُغْتَمُّ لَهُ، لَيْسَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ فِي شَرْقِ الأَرْضِ وَغَرْبِها، إِلاَّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُؤَدِّيَ إِلَيْهِ حَقَّهُ، غَيْرَ كَاتِبٍ إِلَيَّ فِيهِ، وَلا طَالِبِهِ مِنِّي.

إِذَنْ ..هِيَ المَسْؤُولِيَّةُ وَتَبِعَاتُها.. أَشَارُ (عُمَرُ) إِلَى السُّتُورِ وَالبُسُطِ وَقَالَ:

-اِرْفَعُوها ..بِيعُوهَا وَرُدُّوا أَثْمَانَها إِلَى بَيْتِ مَالِ المُسْلِمِينَ.

ثُمَّ ذَهَبَ يَتَبَوَّأُ مَقِيلاً.

وَقَدِ اجْتَهَدَ رَحِمَهُ اللهُ فِي مُدَّةِ وِلايَتِهِ - مَعَ قِصَرِهَا - حَتَّى رَدَّ المَظَالِمَ، وَصَرَفَ إِلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَفِي عَهْدِهِ َكَانَ مُنَادِيهِ عَامِلُ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ يُنَادِي: أَيْنَ الغَارِمُونَ([10])؟ أَيْنَ النَّاكِحُونَ([11])؟ أَيْنَ المَسَاكِينُ؟ أَيْنَ اليَتَامَى؟ حَتَّى أَغْنَى كُلاًّ مِنْ هَؤُلاءِ.

وَكَانَ مُنَادِيهِ يَأْتِي الأَسْوَاقَ يُنَادِي فِيها:

-أَلا مَنْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى المَالِ وَالسَّمْنِ وَالعَسَلِ..فَلْيَأْتِ بَيْتَ مَالِ المُسْلِمِينَ وَلْيَأْخُذْ حاجَتَهُ.

فَمَا كَانَ أَحَدٌ يَلْتَفِتُ إِلَى هَذَا النِّدَاءِ، عَنْ غِنًى وَرَخَاءٍ، فَقَدْ أَغْنَى (عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ) t النَّاسَ، أَمَّا (عُمَرُ) نَفْسُهُ .. أَمَّا أَشَجُّ قُرَيْشٍ.. فَيَدْخُلُ عَلَى زَوْجَتِهِ (فَاطِمَةَ بِنْتِ عَبْدِ المَلِكِ) وَيَسْأَلُها:

-يَا فَاطِمَةُ أَعِنْدَكِ دِرْهَمٌ أَشْتَري بِهِ عِنَباً ؟.

قَالَتْ: لا.

قَالَ: فَعِنْدَكِ نُمِّيَّةٌ ([12]) أَشْتَرِي بِهَا عِنَباً؟.

قَالَتْ: لا.

وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِ فَقَالَتْ: أَنْتَ أَمِيرُ المُؤْمِنينَ لا تَقْدِرُ عَلَى دِرْهَمٍ وَ نُمِّيَّةٍ تَشْتَرِي بِها عِنَباً؟.

فَقَالَ لَها (عُمَرُ): هَذَا أَهْوَنُ عَلَيْنَا مِنْ مُعَالَجَةِ الأَغْلالِ غداً فِي نَارِ جَهَنَّمَ.

هَذَا الخَلِيفَةُ الَّذِي يَتَحَكَّمُ بِكُنُوزِ الأَرْضِ، وَخَرَاجِ الزَّرْعِ وَالضَّرْعِ، وَبَيْتِ مَالٍ أَغْنَى النَّاسَ جَمِيعاً، لا يَمْلِكُ مَا يَشْتَري بِهِ عُنْقُودَ عِنَبٍ، فَماذَا يَأْكُلُ إِذَنْ فِي بَيْتِهِ؟.




[1]- المَلأُ: العَلَنُ، الأَشْهَادُ، عَلَى مَرْأَى مِنَ النَّاسِ.


[2]- النَّزْرُ: القَلِيلُ التَّافِهُ.


[3]- رَمَحَتْهُ: رَفَسَتْهُ، ضَرَبَتْهُ بِرِجْلِها.


[4]- أَقِيلُ: (مِنْ بَابِ: بَاعَ) أَنَامُ القَيْلُولَةَ, وَهِيَ النَّوْمُ فِي الظَّهِيرَةِ.


[5]- أَخْلِنِي: أَخْرِجْ مَنْ فِي المَجْلِسِ، لأَكُونَ فِي خَلْوَةٍ مَعَكَ.


[6]- الشَّآبِيبُ: جَمْعُ (الشُّؤْبُوبِ) وَهِيَ الدُّفْعَةُ مِنَ المَطَرِ.


[7]- ضَبْعَيْهِ: الضَّبْعُ: العَضُدُ، مَا بَيْنَ الإِبْطِ وَنِصْفِ العَضُدِ مِنْ أَعْلاهَا، وَالجَمْعُ (أَضْبَاعٌ).


[8]- طَفُّ الفُرَاتِ: مَوْضِعٌ بِنَاحِيَةِ الكُوفَةِ فِي العِرَاقِ، وَأَضِيفَ إِلَى الفُرَاتِ لِقُرْبِهِ مِنْهُ.


[9]- لا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ: لا يَغِيبُ أَوْ يَخْفَى.


[10]- الغَارِمُونَ: الَّذِينَ غَلَبَتْهُمْ دُيُونُهُمْ فَلَم يَقْدِرُوا عَلَى سَدَادِهَا.


[11]- أَيْنَ النَّاكِحُونَ: كَانَ t يُعِينُ مِنْ بَيْتِ المَالِ الشَبَابَ العُزَّابَ الفُقَرَاءَ عَلَى الزَّوَاجِ، لإِحْصَانِهِمْ.


[12]- النُّمِّيَّةُ: الفَلْسُ، وَالفُلُوسُ كَانَتْ تُبَاعُ حِينَئِذٍ سِتِّينَ بِدِرْهَمٍ، وَالعِنَبُ رِطْلَيْنِ بِفَلْسٍ، وَإِنَّمَا رُخْصُ العِنَبِ لأَنَّ (عُمَرَ) t مَنَعَهُمُ العَصِيرَ.

يتبع في الجزء الثالث
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
soofy
: مديرة المنتدى الإسلامي :
: مديرة المنتدى الإسلامي :
soofy


انثى
الحمل
الحصان
عدد المساهمات : 1496
تاريخ الميلاد : 27/03/1930
العمر : 94
العمل/الترفيه : مشاكسة
المزاج : رآآآآآيقه على الآخر
علم الدولة : مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني   SyriaC
مزاجك اليوم : مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني   W5610
المهنة : مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني   Profes10
الهواية : مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني   Writin10
السٌّمعَة : 49
نقاط : 1697
تاريخ التسجيل : 04/10/2010

مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني   Empty
مُساهمةموضوع: رد: مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني    مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني   Icon_minitime9/11/2010, 11:19 pm

سيرة حســـــــــــــنه لمعلم العلماء


بارك الله فيك أخي على لمجهود المميز

بميزان أعملك يارب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.facebook.com/?ref=home
أحمد عكاش
عضو جديد
عضو جديد



ذكر
الجدي
الفأر
عدد المساهمات : 8
تاريخ الميلاد : 15/01/1949
العمر : 75
العمل/الترفيه : مدرس لغة عربية
المزاج : طبيعي
السٌّمعَة : 0
نقاط : 15
تاريخ التسجيل : 08/11/2010

مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني   Empty
مُساهمةموضوع: رد: مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني    مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني   Icon_minitime11/11/2010, 6:48 am

الى السيد المشرف: تحية واحترام وبعد: سرني أنكم استحسنتم مساهمتي، وأعدكم بمساهمات عديدة ان شاء الله [في القصة القصيرة، والقصة القصيرة جدا، وتراجم لكثير من الصحابة، والخواطر الأدبية، وغيرها]، ولكن أحيطكم علماً بأني قليل الخبرة في الدخول الى (الشبكة العنكبوتية) وبخاصة في تنسيق النصوص (من حيث حجم الخط ولون الخلفية ونوع الخط..) لهذا أرجو منكم المساعدة في هذا، ولقد نشرتُ العديد من الكتب، فوحدت أن خير نوع من الخط، هو (Traditional Arabic) لأنَ الضبط بالشكل يظهر فيه واضحاً، فالخط الذي اخترتموه للجزء الأول يُخفي الحركات، فأرجو منكم أن تتفضلوا بتعديل هذه الأجزاء الثلاثة الى هذا النوع من الخط، وبحجم أنتم ترونه مناسباً، لأني حاولتُ تكبير الخط فلم أعرف، وسامحوني أخي المشرف أذا طلبت منكم تغيير لون الخلفية ألى لون فاتح جداً جداً، فهو أفضل، وأن تكون المحاذاة (أقصى اليمين)، أكرر اعتذاري، وأكرر شكري، والى لقاء قريب بعون الله،
أخوكم: أحمد عكاش
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
soofy
: مديرة المنتدى الإسلامي :
: مديرة المنتدى الإسلامي :
soofy


انثى
الحمل
الحصان
عدد المساهمات : 1496
تاريخ الميلاد : 27/03/1930
العمر : 94
العمل/الترفيه : مشاكسة
المزاج : رآآآآآيقه على الآخر
علم الدولة : مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني   SyriaC
مزاجك اليوم : مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني   W5610
المهنة : مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني   Profes10
الهواية : مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني   Writin10
السٌّمعَة : 49
نقاط : 1697
تاريخ التسجيل : 04/10/2010

مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني   Empty
مُساهمةموضوع: رد: مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني    مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني   Icon_minitime14/11/2010, 6:58 pm

أخ أحمد


بالنسبه لنوع الخط فالصندوق السحري لا يدعم أنواع الخطوط إلا التي حددها إستايل المنتدى نفسه

يمكن أختيار حجم الخط 24 و اللون الذي يناسبك فقط

و بعد الإرسال سيكون الخط واضح و لكن للاسف ستختفي الحركات

و سوف أستفسر عن الموضوع من الأخ محمد مدير المنتدى بهذا الخصوص

و لك جزيل الشكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.facebook.com/?ref=home
yassin
مشرف القسم الاسلامي والمكتبة الأدبية
مشرف القسم الاسلامي والمكتبة الأدبية



ذكر
عدد المساهمات : 711
علم الدولة : مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني   3dflagsdotcom_egypt_2fawm
مزاجك اليوم : مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني   110
المهنة : مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني   Profes10
الهواية : مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني   Chess10
السٌّمعَة : 22
نقاط : 1115
تاريخ التسجيل : 16/04/2010

مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني   Empty
مُساهمةموضوع: رد: مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني    مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني   Icon_minitime30/11/2010, 9:15 pm

مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني   205392
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثاني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز )الجزء الأول
» مدرسة الصالحين (عمر بن عبد العزيز ) الجزء الثالث
» مسلسل بيت جدي الجزء الثاني
» مصارعة القدر الجزء الثاني
» الجزء الثاني فتاة في حلمي------

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات شلة سوريا :: ¨¨°؛©o.,,.o©؛°¨¨°؛© المــــنـتـدى الأدبـــي ©؛°¨¨°؛©o.,,.o©؛°¨¨ :: المكتبة الادبية-
انتقل الى: