وأوضح الرئيس الأسد إذا كنا قد قررنا مواصلة عملية السلام من خلال المفاوضات غير المباشرة عبر الوسيط التركي.. انطلاقاً من حرصنا الصادق على تحقيق السلام العادل والشامل.. واستناداً إلى حقوقنا الثابتة غير القابلة للمساومة تحت أي ظرف.. وفي مقدمتها العودة إلى خط الرابع من حزيران عام 1967 دون أي نقصان.. فإن هذا كله لا يجعلنا نغفل عن رؤية الحقائق في منطقتنا وما يتصل بها خارجها وفي مقدمتها أن إسرائيل لم تلغ في يوم من الأيام فكرة العدوان من سياساتها والتي يؤدي إليها خوف الإسرائيليين الفطري من السلام.. خاصة في هذا الوقت الذي نشهد فيه تنامياً سافراً لنزعات التطرف الديني والعنصري لدى الإسرائيليين.. بل إن مفاهيم مثل طرد العرب والتعابير العنصرية الأخرى باتت أكثر حضوراً في خطابهم السياسي.
وأشار الرئيس الأسد إلى أن الحقيقة الثانية فهي وجود إدارة أمريكية راحلة كان يفترض أن تهتم بالسلام لكنها لم تعرف شيئاً عن الحضارات الإنسانية سوى قعقعة السيوف.. ولم تقدم للإنسان من حقوقه التي وضعتها شعاراً زائفا سوى حقه في العيش خائفاً في أحسن الأحوال وميتاً في أسوئها.. بمعنى آخر إيماننا بالسلام وتفاؤلنا بتحقيقه لا يدفعانا للوقوع في الأوهام أو أحلام اليقظة أو للوقوع في فخ اللعب على المسارات.. بل يدفعانا للمزيد من التمسك بحقوقنا ولبناء المزيد من قوتنا.
وقال الرئيس الأسد: في إطار حديثنا عن السلام العادل والشامل.. فإننا نؤكد دعمنا لنضال أشقائنا الفلسطينيين في استعادة حقوقهم المتمثلة بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.. وضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين.. كما نؤكد بأن تحقيق هذا الهدف مرهون بوحدة الموقف الفلسطيني.. لذلك نجدد دعمنا للحوار بين الفصائل الفلسطينية واستعدادنا لبذل كل الجهود الممكنة لتهيئة الظروف المناسبة لإنجاح الحوار الذي تتحقق فيه وحده مصلحة الشعب الفلسطيني.
إنهاء الاحتلال الأجنبي للعراق مسألة حيوية لاستقرار المنطقة
وأضاف الرئيس الأسد.. أما العراق فإن استقراره مسألة حيوية لاستقرار المنطقة.. وهذا لن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال الأجنبي.. ومن خلال إنجاز المصالحة الوطنية بين أبنائه بمختلف انتماءاتهم.. بما يكفل وحدة العراق واستقلاله بعيداً عن التبعية أو الارتهان للإرادة الخارجية.. لذلك فإننا نجدد مساندتنا لكل الجهود المبذولة لإنجاز الحوار الوطني.. واستعدادنا لتقديم كل عون ممكن لإنجاز هذه الغاية.
وأكد الرئيس الأسد أن مسألة تعزيز الحضور العربي في العراق هي مسؤوليتنا جميعاً سواء من خلال تدعيم العلاقات الثنائية أو من خلال مؤسسات الجامعة العربية ولابد أن يكون الموقف العربي واضحاً موحداً في التأكيد على ضرورة إنهاء الاحتلال والتصدي لأي محاولة لفرض اتفاقات تصادر سيادة العراق وأمنه وتسيء إلى الأمن القومي العربي بكليته.
وقال الرئيس الأسد: إن العدوان الأمريكي الأخير على الأراضي السورية يدلل على أن وجود قوات الاحتلال الأمريكي يشكل مصدر تهديد مستمر لأمن الدول المجاورة للعراق.. كما يشكل عامل عدم استقرار للمنطقة.. ويؤكد بأن الاتفاقية الأمنية تهدف لتحويل العراق إلى قاعدة لضرب الجوار بدلاً من أن يكون سنداً لهم.. وبالتالي فإن إنهاء هذا الاحتلال في أسرع وقت هو ضرورة لاستقلال العراق الشقيق.. كما هو ضرورة لاستقرار المنطقة.
وتابع الرئيس الأسد.. أما قول الأميركيين بأن الانسحاب يخلق الفوضى.. فجوابه من خلال منطقهم.. ما هو الفرق بين انسحابكم وبقائكم.. إذا كان الانسحاب يخلق الفوضى.. فماذا يخلق البقاء وهل هناك شيء أسوأ مما نراه الآن في أي مكان في العالم.. أما بمنطقنا نحن وليس بمنطقهم.. فنقول بكل بساطة هذا كلام حق يراد به باطل.. يرمي للإيحاء بأن الشعب العراقي غير قادر على حكم نفسه وإدارة شؤونه.. ويهدف بالنتيجة لإبقاء الاحتلال.
وأشار الرئيس الأسد إلى أن ما يتعرض له السودان الشقيق منذ عقود من هجمة شرسة تستهدف وحدته وتماسكه الوطني بدءاً من الجنوب وانتهاء بدارفور.. فهو أكثر من مجرد تدخل في شؤونه الداخلية.. بل هي محاولات تقسيم حقيقية توازي نتائجها خطورة ما حصل في فلسطين عام 1948 فعلينا كعرب أن نقف إلى جانب السودان وقفة حازمة غير مترددة وأن ندين التدخل الأجنبي في شؤونه الداخلية مهما اتخذت من مبررات.. ونؤيد ما تقوم به الحكومة السودانية لإيجاد حل للمعاناة الإنسانية في إقليم دارفور في إطار وحدة السودان الوطنية.
وقال الرئيس الأسد: أما التردد من قبل البعض بذريعة وجود قرارات دولية.. فأنا أؤكد أن دولنا وقعت على ميثاق الأمم المتحدة والذي يضمن الأمن والاستقرار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.. أما عندما تعكس القرارات هيمنة مجموعة من الدول على مؤسسات دولية تؤدي إلى صدور قرارات تخرق هذا الميثاق وتلحق الضرر بمصالحنا.. فلابد أن نضع مصالحنا الوطنية والقومية أولاً وفوق كل اعتبار.
سورية مرتاحة للاجواء الايجابية في لبنان
وأضاف الرئيس الأسد.. وفي الشأن اللبناني أننا نعبر عن ارتياحنا للأجواء الإيجابية التي تلت مؤتمر الدوحة الذي وضع العناوين الأساسية للتوافق الوطني وهيأ الظروف الملائمة لتحقيق الاستقرار في لبنان وتفويت الفرصة على المحاولات التي يبذلها البعض لضرب وحدته.
ورأى الرئيس الأسد أنه على الرغم من الصورة القاتمة للوضع الدولي المعاصر التي انطبعت في أذهان الرأي العام على امتداد العالم بفعل سيطرة القطب الواحد.. وسياسات الهيمنة التي أسست لنهج الولايات المتحدة الأمريكية في السياسة الدولية.. فإن بوسعنا أن نلاحظ أن ثمة ما يشبه الإجماع الدولي على فشل هذا النهج الذي لم يأت للعالم إلا بويلات الحروب وتغذية عوامل العنف والإرهاب بدلاً من أن يساهم في معالجتها.
فشل العولمة التي تتجاهل حضارات ومصائر الشعوب
وقال الرئيس الأسد: لقد بدأ العالم اليوم يفكر بجد بأسس مختلفة للعلاقات الدولية.. حيث أثبتت العولمة التي تتجاهل حضارات ومصائر الشعوب فشلها.. وبدأت العودة للوطن والإقليم والمنطقة الجغرافية الواحدة وما يعنيه ذلك من عودة لتعدد الأقطاب على مستوى العالم.
وأكد الرئيس الأسد أن هذه المرحلة تشكل فرصة تاريخية للعرب إذا ما استطاعوا أن ينسقوا مواقفهم.. ويوحدوا جهودهم لكي يصبحوا إحدى هذه القوى الإقليمية خاصة في ضوء ما يتمتعون به من إمكانات اقتصادية وعوامل تاريخية وثقافية مشتركة تيسر فرص إقامة تكتل عربي إذا ما أحسن استخدامها ..فنحن في قارب واحد ومن الواضح اليوم أن الدول التي لا يجمعها قارب واحد تحاول صناعته.. وآن الأوان أن لا نترك قاربنا مهجوراً دون استخدام كي لا تفوتنا فرصة استخدامه أو يسبقنا إليه الآخرون.
وقال الرئيس الأسد: إذا كانت الأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة.. بما حملته من مخاطر على المجتمعات المعاصرة لاسيما النامية منها.. قد دفعت الكثيرين للمبادرة إلى وضع أسس لنظام اقتصادي دولي جديد يجنب الأجيال القادمة مفاعيل الأزمات الاقتصادية والانهيارات المالية.. فإن الحاجة تدعو في الوقت نفسه إلى بناء نظام سياسي دولي قائم على أسس التفاهم والحوار بين شعوب العالم.
وأشار الرئيس الأسد إلى أنه مهماً يكن شكل العالم المستقبلي.. والقواعد التي ستحكم علاقاته الدولية.. ومع أملنا الكبير في تشكيل نظام سياسي واقتصادي جديد أكثر عدلاً وأماناً.. فإن مكانتنا ومستقبلنا يبقيان مرهونين بمدى قدرتنا على الحضور ككتلة سياسية واقتصادية.. متناسقة ومتجانسة لكي تكون مؤثرة.
وأوضح الرئيس الأسد أن التحديات كبيرة ومواجهتها مرهونة بتضامننا.. وإذا كان أخطر العقبات هي التفرقة والتجزئة بيننا.. والتي تحققت في مفاصل عديدة عندما سمحنا للقوى الخارجية باستخدامنا كوقود لخلافاتها على الساحتين الإقليمية والدولية.. فإن زرع الخلاف بيننا وبين الشعوب الأخرى في منطقتنا لا يقل خطورةً عنها.. وإذا كان التضامن العربي هو الوسيلة لاستعادة الوضع العربي الطبيعي.. فإنه لا يكتمل من دون علاقات عربية سليمة منفتحة مع دول وشعوب وثقافات المنطقة.. خاصة المجاورة لنا جغرافيا والتي تداخل تاريخها مع تاريخنا وتمازجنا معها بشرياً وثقافياً لقرون طويلة وإذا كان الانفتاح على الآخر هو نقطة القوة الأهم التي حققت للعرب في الماضي مكانتهم العالمية.. فعلينا اليوم ونحن في مستهل القرن الحادي والعشرين أن نكون أكثر انفتاحا.. وأن نتجنب الانغلاق على أنفسنا أو الانعزال عن الآخرين في أي ظرف وتحت أي عنوان بالعكس تماماً.. فاختلاف وجهات النظر هو الدافع الأكبر للانفتاح على الغير والتواصل معه لكي نبني معه حواراً صادقاً تراكمياً يعيد التوافق التاريخي بديلاً عن التنافر المصطنع.. عدا عن ذلك فسندخل في مستقبل تحكمه الأوهام يستبدل فيه العدو الحقيقي الذي يعتدي علينا ويقتلنا بعدو وهمي قد يكون شقيقاً أو صديقاً يقف إلى جانبنا في الملمات.
ودعا الرئيس الأسد إلى الحذر من المصطلحات البراقة ذات المضامين المشوهة والى تصحيحها وقال.. فالسرب العربي قيادته حتماً عربية وقراره يصنع هنا في بلداننا من قناعاتنا.. ولمصالحنا.. أما الفلك العربي.. فلا يمكن لشمسه أن تكون إسرائيلية ونحن كواكب تدور حولها.. وإلا التصادم.. فالفناء.
وخاطب الرئيس الأسد البرلمانيين العرب.. في كل تلك المجالات يبرز دوركم..وإني إذ أتمنى لكم كل النجاح في مهامكم الكبرى.. فإني أؤكد على أن نجاحنا هو في وحدتنا التي تمنحنا القوة.. ونحن نعيش في ظروف دولية تتميز سياساتها بانعدام المبادئ والأخلاق.. ومن يمتلك الذكاء من دون امتلاكه القوة قادر على القيام ببعض التكتيكات البارعة.. ولكنه في المحصلة النهائية غير قادر على تجاوز أو الخروج عن استراتيجيات الآخرين والتي قد تكون في تعارض مع المصالح الوطنية.. وقال الرئيس الأسد.. أما من يمتلك القوة المبنية على العقل.. فهو من يصنع الاستراتيجيات ويفرض موقفه ويصنع التاريخ.. فعلينا أن نسعى ومن دون تردد كأمة عربية لامتلاك القوة الضرورية التي تبدأ بتضامننا المعنوي.. وتمر عبر تعاوننا العملي.. وتنتهي بقدرتنا على فرض وجودنا وحماية حدودنا واستعادة حقوقنا.
وختم الرئيس الأسد بأن التاريخ البشري وتاريخنا جزء منه لم يكن يوماً ذا لون أو شكل واحد.. ولنا أن نختار من تاريخنا ما نشاء ولنتحمل مسؤولية اختيارنا.. فلنختر منه التضامن والقوة والانفتاح لكي نحصد الأمان والازدهار